الشيخ محمد الهادي سنوسي الزاهري
الشيخ
محمدالهادي سنوسي الزاهري :
النشأة ولد مترجمنا
بليانة سنة 1902 تعلّم بها المبادئ الأولى للغة العربية ،فهو من حفظة القرآن
الكريم على يد سيدي عبد الرحيم الزاهري ، اذ تتلمذ على يد أبيه سي علي بن العابد
الزاهري هذا العلامة الذي ساهم في التدريس بزاوية سيدي بوسبع حجات ، فنشأ صاحبنا
في مهد علم ، حيث كانت قريتنا تعجّ [بالطلبة والمدرسين ، كان هناك تنافس حاد بين زاويتين تنشران العلم . لم يبلغ
من العمر سوى 14 عاما حين قرر أبوه إلحاقه بالجامع الأخضر البادبسي بقسنطينة استنتج ذلك من روايته : ((بعد أن أتممت القرآن رأى والدي أن لابدّ من إرسالي في طلب العلم ولحسن الحظ
وافى غرضه قدوم الأستاذ الكبير العلاّمة الشيخ عبد الحميد بن باديس لبلدنا ،
فاجتمع به أعيان البلد ، وعرضوا عليه لإرسال فريق من أبنائها إلى مدرسته فقبل ذلك
مغتبطا)) اذا ما رجعنا لرواية عن المعمر الذي بلغ من العمر عتيا
(113 سنة ) بتاريخ تقييد هذا السفر 08/9/2020 وهو عمي الهاني جديدي جاء عنه :"
أنّ جامع سيدي المبارك بن بدرة جدد من قبل أهل القرية وافتتح في أول جمعة من نشوب
الحرب الكونية الأولى 1914 . " لربا
هذه المناسبة حضرها الإمام الفاضل عبد الحميد بن باديس ، هنا نستنتج أنّ سي الهادي
سنوسي الزاهري قدم قسنطينة 1915 أو 1916على أكثر تقدير، لزم دروس الإمام بن باديس
لأزيد من 7 سنوات. ولربا رافقه السعيد الزاهري لأن هو الأخر لم يمكث الا 14 شهرا
عند ابن باديس،رجع الى مسقط رأسه ليانة ، ثم سافر في سنة 1917 الى تونس مرورا بواد
سوف ماكثا بها اليسير .
فمن المفارقات أن يؤلف هذا النابغة الزاهري
كتابا ضخما وهو في الرابعة والعشرين من العمر، ففي سنة 1926 طبع له كتابا بعنوان : " شعراء الجزائر
في العصر الحاضر "بتونس الشقيقة كجزء أول ثم تمت الطباعة في السنة
الموالية للجزء الثاني فنفذ في تلك الفترة لأهميته وفائدته، هل لا تساءل
الشباب اليوم عن الضنى و المكابدة التي لحقت بالشيخ الفاضل آنذاك ،من عناء
البحث والتنقيب والاتصال، والغدو والرواح لتقديم عملا جليلا ومتميزا ولن تجدني
مبالغا إذا ما أطلعت على تصاميمه حيث ثبت صورة الشاعر في شكل بيضاوي ، ثمّ قام
بتقديم ترجمة وافية مستوفية . عن نسبه ، سيرته- أو قل مسيرته بخط يده لمن
منهم لم يتسنى له أن يكتب سيرة بنفسه، كما رصد لكل منهم شيء من الشعر وأغراضه ،
وما أستثنى إلا الرثاء والمدح الذي ما قيل في غير الأجلاء والعظماء من هذا الوطن
العظيم والعظمة للمولى، زيادة عن شرح ما غمض من الألفاظ ،و قد طلع في حلّة بهية
تتناسب مع هذا العصر رغم مرور تسعون سنة عن تأليفه ، والذي لولاه لما اهتدى طلبة
الآداب عقب الاستقلال إلى معرفة شعراء وأدباء بلادهم ، خلافا لشبابنا اليوم والذي
وفرت له التكنولوجيا الكمبيوتر والأنترانت و الموبايل عسى ينفع بلاده ويقتفي أثار
أجداده للوصول إلى بر التقدم ورفع بلاده إلى مصاف الدول الرائدة عاملا بقول هذا
الداعية والمصلح الذي نتناوله كنموذج فذ. يوم توجه بالنداء إلى معاصريه من أولياء
الأمور من بني وطنه طالبا منهم أن يوفروا فرصة التعلم لأبنائهم ،مبرزا قيمته في
هذه الأبيات من
قصيدة هذا مطلعها :
ناشدتكم بالله والرحم التي *** في الكتب مجد ذكرها تمجيدا
أن تبعثوا للعلم في أبنائكم *** روحا ومن كيس المشح نقودا
تحي البلاد إذا العلوم تفتحت*** زهراتها بين الديار ورودا
إلى أن يقول:
لا تيأسوا من روح ربكم ولا *** تستسلموا إن سمتم تهديدا
فلربا عثر الزمان فكان في *** شعب الجزائر يومه مشهودا
إن البيئة التي يفع بها لها أثرا
واضحا في تكوين شخصيته، ولك أن تلحظ ذلك
حين نحيلك على شيئ من ترجمته لنفسه فقال: " أنا محمد الهادي بن علي بن محمد بن
العابد بن السنوسي الزاهري نسبة إلى جدّنا الأكبر (أبي زاهر )الحسني نسبة إلى
الحسن السبط رضي الله عنه على ما هو متواتر يرويه كابر عن كابر وحسب سلسلة النّسب
.
ولدت( باليانة) قرية من قرى الزاب الشرقي قبلة بسكرة النخيل بمنزلنا المعروف بحارةآل السنوسي في ربيع
الأول سنة 1320 ه. عائلتنا من أشرف عائلات بلدنا: وأقدمها فيها : إذ جدّنا الأكبر
أبو زاهر هو من المؤسس لها : وواضع الحجر الأول فيها .
اسم والدي علي بن محمد بن العابد الخ ... ترعرع
في أرمة أمنع من جبهة الأسد."
فلليانة هذه البلدة المنسية اليوم أثر بليغ في نبوغ هؤلاء إذ
وفرت لهم وقتئذ بيئة رطبة كلها عبق يفوح من كتاتيبها ومن معهدها الوردي – سيدي
الوردي – الذي نافس كبريات الزوايا والمدارس الثانوية في تنظيمه ومنهجيته المعاصرة
،إضافة إلى مسك فيّاض من لدن أساتذته النوابغ في شتى علوم تلك الحقبة – في مقدمتها
القرآن العظيم والسيرة النبوية المطهرة والفقه والقضاء والآداب العربية، إلى
تلك ليانة كانت تصل مختلف الجرائد والمجلات العربية المغربية والمشرقية حتى جريدة
رائدي الحركة الإصلاحية العربية جمال الأفغاني ومحمد عبده– (العروة الوثقى )– وصلت
سنة 1884 إلى والده سي علي بن محمد بن العابد بن محمد بن السنوسي الزاهري والتي
كانت تدخل بعدد أصابع اليد للجزائر منها اثنتين لآل الزاهري .العدد الثاني للأستاذ
سي علي بناجي الزاهري ( بوزاهر) إلا أن طلب المزيد من العلم حدا بوالده إلى أفاده
لعاصمة المعرفة قسنطينة في سن مبكرة جدا بعد أن حفظ القرآن الكريم، ليتزود هناك
بالعلم العريض وعمره لم يتجاوز 14 سنة فطال مكوثه في رحاب الجا مع الأخضر. فيقول
الزاهري :" بعد أن أتممت القرآن رأى والدي أن لابدّ من
إرسالي في طلب العلم ولحسن الحظ وافى غرضه قدوم الأستاذ الكبير العلاّمة
الشيخ عبد الحميد بن باديس لبلدنا ، فاجتمع به أعيان البلد ، وعرضوا عليه لإرسال
فريق من أبنائها إلى مدرسته فقبل ذلك مغتبطا
بعد أن قضى قرابة السنة بقسنطينة توفي والده.فتكفل برعايته أخيه سي العابد
،جاء عنه :" وتحفّزت الأيام للوثوب
عليّ لولا شقيقي سيدي العابد الذي ما ادّخر عزيزا إلاّ وكان به عليّ جوّادا."
أجتهد مترجمنا في التحصيل فلازم الإمام الفاضل عبدالحميد بن باديس لمدة ناهزت سبع
سنوات بلياليها حيث بعد صلاة العشاء حين يفرغ الإمام بن باديس من تفسيره للقرآن
الكريم يلقي الزاهري قصائد على الحضور جاء
عنه : " كنت أجهد نفسي في ذلك حتّى تحصلت على شبه ملكة شعرية . فأخذت أنظم
القصيدة حتّى إذا ختم الأستاذ درس التّفسير ألقيها على الحفل الحاشد ، الأمر الذي
زرع في نفسي نشاطا بما كنت أراه من استحسان الجمهور لما ألقيه .
ولك
أبياتا من قصيدة ألقيتها بعد ختم سورة ( الأنفال ) سنة 1343 ه
الحق
أثبت في النفوس وأكبر *** أدعو به فهو السراج الأزهر
هــذا
كتاب الــلــه جلّ بيــــــان *** ( قضيت الممالك دونه و الأعصر)
ومنها بعد نحو
العشرين بيتا ، مخاطبا الجمهور الذي كان ينوف عدد أفراده الألف
أنتم
بنو القطر الكريم ، وأهله *** لا يخدعكم الجبان المنكر
تحي
البلاد بكم ، ويثمر نبتها *** أمّا بغيركم فليست تثمر
" ثمّ بسطت لقلمي في
الشعر بساطا ذا ألوان ، وأنّي لأتمنى عليه غدا أن يكون أوسع منه الآن ."
حقا لقد انسل من غمده ذلك القلم الزاهري السيّال
من يومها ولم يجف إلى بداية السبعينات حين أعيى صاحبه المرض .خطّ به العديد من
القصائد في شتى الأغراض اذ عايش ألام بلاده وحزن لمئال اليه مصير اخوانه المستضعفين
داخل الجزائر وداخل وطنه الكبير من محيطه إلى خليجه. جاب القطر رافعا راية الإصلاح
نائبا عن جريدتي المنتقد وكذا الشهاب
البادسيتين تولى الزاهري تمثيلهما عبر القطر كما كتب بهما ونشر قصائد عديد بهما
تحت إمضاء شاعر المنتقد. انسلخ كما عبر عن ذلك من نيابة الجريدتين ليتفرغ لكتاب
(شعراء الجزائر في العصر الحاضر ) والذي لليوم بعد أربعة وتسعون سنة لا يستغنى عنه
باحث في الأدب الجزائري انتقل صاحبه إلى
جوار ربه سنة أربعة وسبعين تسع مائة وألف ودفن بمقبرة القبة بعاصمة البلاد فرحمة
الله عليه .
وادي العــــــــــــــــرب
سنوسي الزاهري
يا صقر يا إلف السّحب أشرف على وادي العرب
سنوسي الزاهري
يا صقر يا إلف السّحب أشرف على وادي العرب
تعليقات